حديث مع البحر

كنت دائما أفكر فيه

ابحث عن ماهيته وعن مكنوناته

كان سرا غامضا بالنسبة لي

فهناك من شبهه بالإنسان

وهناك من شبهه بالمرأة

وهناك من قال سر في ذات اسمه

وذات يوم

وقفت على أحد شواطئه

وتحدثت معه فبدأت حديثي قائلة

من أنت ؟

فقال: أعماق ، أسرار ، أمواج ، أنماط حياة مختلفة

فقلت : وكم يبلغ عمقك ؟

فقال: بمقدار ما تبلغ أسراري

فقلت : وكم تبلغ أسرارك؟

فأجاب: بكل ما تحمله لغات العالم من آهات ووجدانيات ومشاعر

فقلت : إذن أنت بئر القلوب ؟

فقال: وقاتل أجسادها

قلت : أي غدار؟

فقال: ومع ذلك عطائي بلا حدود

قلت : أكريم أنت؟

فقال: اسألي عن كرمي أمواجي ومياهي

قلت :أرى من بين حديثك ثقة بنفسك

فأجاب : في داخلي أسرار العالم وتعترضين على ثقتي

قلت: ء أنت مغرور ؟

فأجاب: بل حنون أستطيع مسح دموع الإنسان

قلت : حدثني عن امواجك

فقال: كيف هو الإنسان في حياته كذلك هي أمواجي

قلت له : هلّا فسرت أكثر؟

فقال:
بداية الموجه لاشيء ثم يبدأ وجودها بالظهور وتمشي عابرة طريقها وتكبر
وتكبر وكبرها يكمن فيما تحمله من أوساخ وقاذورات وغيرها. وكل ما اتسعت
دائرة ما تحمله كلما كبرت أكثر وأكثر كذلك الإنسان المخلوق من العدم يعيش
حياته حاملا معه ذنوب ومعاصي تشبه نجاسة امواجي ويزداد كبره وغطرسته
وعصيانه بزيادة ما يحمله من نظرة قذرة لحياته وأهميته

وكما أن موجتي تنتهي حياتها بمجرد ارتطامها بصخور الشواطيء فكذلك الانسان تنتهي حياته بمجرد ارتطامه بحقيقة الحياة

فقلت له : وكيف هي أنماط حياتك المختلفة ؟

فقال: كائنات غريبة تقصد أعماقي ليس لها وجود على أرض البشرية

وسكت برهة

فأصبحت انظر إليه متعجبة بكبريائه وعطفه وحنانه وغدره

فيحال اجتماع هذه الصفات في ذات واحده ؟

حيرة تناقض أوهام ظنون

لا أدري

ولكن يظل البحر سرا غامضا تعجز البشرية عن وضع معنا له